بين “الجزائر جزائرية” و“الجزائر مسلمة”: صراع بين مناورة استعمارية وإعلان هوية وطنية
الجزائر العربية المسلمة
لم يكن يوم 11 ديسمبر 1960 يوماً عادياً في تاريخ الجزائر، بل كان نقطة التحوّل التي كشفت للمستعمر، وللعالم كله، أنّ الشعب قرّر أن يتكلم بصوته، وأن يقطع الطريق على كل المناورات السياسية التي حاولت فرنسا من خلالها إعادة تشكيل المعادلة على هواها.
في تلك المرحلة، كان الجنرال ديغول يروّج لشعاره الشهير:
“L’Algérie algérienne” — الجزائر جزائرية.
شعار يبدو في ظاهره وطنياً، لكنه في جوهره كان محاولة لتفريغ القضية من مضمونها الحقيقي: الاستقلال التام.
كان ديغول يريد جزائر “هجينة”، تُدار بحلول وسطية، تُبقي النفوذ الفرنسي قائماً، وتحوّل الصراع إلى جدل حول الهوية بدل حق تقرير المصير.
لكن الشعب الجزائري، الذي عاش قرناً وثلاثة عقود من محاولات الطمس، فهم المناورة فوراً.
لم ينتظر توضيحات، ولم ينجرّ إلى غموض العبارة.
ولهذا خرج في مظاهرات عارمة، بأعداد أربكت فرنسا نفسها، ورفع شعاراً مضاداً، واضحاً، صريحاً، غير قابل للتحريف:
“الجزائر مسلمة”.
لم يكن الشعار دينيّاً محضاً، بل كان إعلاناً سياسياً وهوياتياً حاسماً:
الجزائر ليست أرضاً بلا جذور، ولا مشروعاً بلا هوية، ولا كياناً يمكن إعادة تشكيله حسب مقاسات المستعمر.
كانت عبارة “الجزائر مسلمة” اختزالاً لعمق حضاري، ولانتماء تاريخي، ولوعي بأنّ معركة التحرير ليست معركة حدود وجغرافيا فحسب، بل معركة وجود وهوية.
واللافت ـــ والمؤسف في الوقت نفسه ـــ أنّ بعض الأصوات الجزائرية اليوم تعود لتُمجّد شعار ديغول “الجزائر جزائرية”، وكأنّه كان مفتاح التحرّر، أو كأنه طرح يساوي بين الطرفين.
تتناسى هذه الأصوات أنّ ذلك الشعار لم يكن سوى مخرج سياسي مراوغ، حاولت به فرنسا خلق “جزائر منزوعة العمود الفقري”، بلا مرجعية، بلا جذور، بلا مضمون.
إنّ استعادة لحظة 11 ديسمبر ليست نوستالجيا، بل تذكيراً بأنّ الشعوب تُهزم فقط عندما تُسلَّم لغتها وتاريخها ورموزها لقراءة مشوهة.
وأنّ الجزائريين في ذلك اليوم كتبوا ــ بلا خطابات متكلّفة ــ الحقيقة التي أراد الاستعمار دفنها:
أن الجزائر أمة كاملة، وهوية قائمة، وتاريخ لا يقبل المساومة.
هذا هو معنى 11 ديسمبر…
وهذا هو المعنى الذي ينبغي أن نحفظه، لا أن نعيد تلميع ما أراده ديغول أن يكون بديلاً عنه

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق