المقامة النَّحْناحيّــــــة
- بقلم: البشير بوكثير / رأس الوادي (الجزائر)
إهداء: بمناسبة الذّكرى العاشرة لوفاة الشّيخ محفوظ نحناح رحمه الله ،أرفع هذه المقامة عربون وفاء وتقدير لهذه القامة .
حدّثنا البشير الحمساوي قال:
هو الشيخ "نحناح"، الشذّى الفوّاح، والفكر النّضّاح ، والذّهن المتوقّد اللّمّاح، والسّلسبيل الأقاح، رائد الدّعوة والإصلاح، في هذه البطاح، له القلوب دوما ترتاح، ولذكراه ترنّم البلبل الصّدّاح، وتضوّعَ العنبر وفاح..
هو مَن أسكتَ النّحيب والنّواح، فصمتَ العويل والصّياح، لمّا في الورى نادى وصاح:" الجزائر حرّرها الجميع ويبنيها الجميع، فذا ب الجليد وانجلى الصّقيع، وعمّ رُبى الجزائر السّلام والوئام وأمْرعَ الرّبيع .
سكنَ حبُّه القلوب ، فزال الكدر والشّحوب، بعدما كفكف الدّموع الحرّى، وأوقد الشّموع تتْرى، فأسعدَ الورى طُرّا ...
هو الفارس الهُمام، واللّيث الضّرغام، والسيّد القَمقام، والشّجاع المقدام، عالي الشّان ورفيع المقام، صار للجزائر الشّارة والوِسام.
هو المربي الألمعيّ، والداعية اللوذعيّ، والسّياسيّ الأروعيّ، والمصلح السّميذعيّ، ذو الوجه البهيّ، والخلق الزّكيّ، والقلب النقيّ الرّضيّ.
خطبَ بحماسة ، فهدّ للباطل أركانه وأساسه، وقارع بالحجّة أساطين السّياسة، فأدخلهم متحف سوق النخاسة، فشتان بين الطّهر وبين النّجاسة !
هو حكيم الزّمان، وفارس البيان، نشأ في أحضان الذّكر والقرآن، وتربّى في مدرسة الإخوان...
هو سيّد الرّجال، وبطل الأبطال، حين تتكسّر النّصال على النّصال، جميل الفِعال، كثير النّوال، سهرَ الليالي الطّوال، ودافع دفاع الأشاوس الأبطال، في ساح الوغى والنّزال، وقارع الاحتلال، حتى فكّ عن شعبه القيود والأغلال.
وجعل أسطورة جيش "قمير" إلى زوال ...مُحال أنْ يستوي الماء الآسن مع الماء الزُّلال !
خاض ثورة التّحرير، فكان الفارس النّحرير، كما شارك في معركة البناء والتّعمير ، فأتى بالشّيء الكثير في زمن يسير ،وقاد النّشء نحو التغيير ،بفكر النّاقد البصير ..
عرفتْه مدينة البليدة ، رجلا ذا همّة شديدة، وحكمة سديدة، ومآثر حميدة، فقد جمعَ كلّ شمائل القيادة الرّشيدة.
أسّس الجماعة ،على السّمع والطاعة، فبايعتْه الوفود وهي تحثّ الخُطا سِراعا، بعدما اتّخذتْ من سيرته منهجا ومَركبا وشِراعا.
وهذا -يا بنيّ- رفيقه " محمّد بوسليماني" السّيف اليماني، والفصيح الهمذاني، واليعربيّ القحطانيّ، كان له السّند، والسّاعد والعضد، حين قلّ العَوْن والمَدد.
عشقَ لغة الضّاد، وترنّم بها في كل ناد، وهامَ بها في كل واد، وكان للرّطانة بالمرصاد، حيث تصدّى للتغريبيين الأوغاد، بحكمة وسداد، وبحجّةٍ يُعضّدها الفقه والرّشاد ،فكفانا شرّهم ، وردّ كيدهم إلى نحرهم .
هو رجلُ تسامحٍ وحوار، في زمن اللاّحوار، بل في عشريّة قتل الأحرار الأطهار، والأطفال الصّغار،في سنواتِ الجمر والدّم والنار.
حاربَ سياسة الفرْنسة والمرْكسة والتّغريب، والفساد والتّخريب ،ونافح عن الهُويّة الإسلامية والتّعريب، ودافع عن "باديسية" الجزائر بمنهج مفكرٍ لبيب، وفكرِ مصلحٍ أريب .
ذاق ويلاتِ السجون، وتجرّع سمّ القهر والمنون، بصدرٍ رحب حنون، فقضى أصعب السّنون، رابط الجأش في دينه غير مفتون، مُتّخذا شعاره: أكون أولا أكون ، رسالةً لأجيالٍ لاتخون ...
والحديث عن السّجون ذو شجون !
وفي السّجن نادى المنادي، ياحسرة ًعلى العباد، تركوا إرث الأمجاد، وتمسّكوا برَوْث الأوغاد، ونبذوا ظهريّا هدْيَ خير العباد.
كان السّجن محنة أعقبتْها منحة، وقُرحة عطّرتْها فوْحة، وضيقا أعقبته سِعة ًوفُسحة.
فقد كوّن فيه أُسْدا وأشبالا ، شرّعهم قسِيّا ونبالا، وهيّأهم للجزائر ضَراغِمة أبطالا.
فهل يستوي مَن " اشترى -كيّة" بمن زهد في "المرسيدس و الـ kia"..!
كان حصيفَ الفكر، واسع الصّدر، حاضر البديهة بعيد النظر، شديد الحذر، خبيرا بمكمن الشرّ والخطر، فانبرى للإصلاح والإرشاد ونادى حيّ على الفلاح، فخرجت جمعية الإرشاد والإصلاح،للناس مثل إشراقة الصّباح .
ثم أسّس حركة حماس، الدّعامة والأساس ،على منهج القرآن والسنّة والقياس ، فكانت الوهج والنبراس، ملأت الدنيا وشغلت الناس، على الرّغم من كيد بعض الأنجاس .
دخل معترك السّياسة ، بفطنة وكياسة، فخاض استحقاق الرئاسة، لكن تدخّلتْ قذارةُ السّياسة، فحوّلتْ عرسَ الديمقراطية إلى رجس ونجاسة ، فما كان من حكيم السّياسة إلاّ أنْ تنازل عن الحقّ ليحقن دماء الرّعيّة والسّاسة .
ولا عجب فهو المجاهد الأصيل، والرّجل الشّهم النبيل، أرّقتْه الحُقرة والضّيم فصاح صيحةً تشفي الغليل:" حقّار الرجال يموت اذْليل " ..
كفر بالحُقرة والبيرو قراطية ، واحتقر الاشتراكية والارستقراطية، وآمن بقيم العدالة والشورى -قراطية ...
في العشرية الحمراء سكتَ العلماء وما سكت، وصمتَ أشباهُ السّاسة لكنه ما صمت، بل كان شعاره" من أجل الجزائر عشْ عزيزا أو فَــلْتمُتْ"..
وكم غلبه الشوق والحنين، إلى معشوقته فلسطين، فقد جأر بالآهات والأنين، وجهر بالصّبابة والهيام والحنين، وبكى الثرى والطين، واستبكى ملاحم بدر وحطين،حتى تمزّق منه القلب وتصلّب منه الوتين، فمات وفي قلبه حرقة، وعلى شفاهه شهقة، على رام الله والخليل وغزّة وجِنين..
مات الرجل الأمين، أبو المساكين، ونصير المستضعفين، فبكته الملايين،في الجزائر كما في فلسطين، لأنه كان الحصن الحصين، والمدافع الشّرس الرّصين على قضية فلسطين .
هيهات لايجود الزمان بمثله ** إنّ الزّمان بمثله لبخيل
وإنّي يا أخي "مقري " أسمع بعض الهمس، من ذاك الرّمس، الذي غيّبَ البدر والشّمس ،يهتف بكم:
يارجال "حمس"...صونوا الوديعة كما بالأمس، ولاتبيعوا مجد "حمس" بثمن بخْس، في هذا الزّمن النّحْس ...
فهل سمعتم النّداء يارجال "حمس " ...؟!
رأس الوادي في : 19 جوان 2013م
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق