2013/05/10

المقامة الشّبابيّــــــــــــــــــــة بقلم: البشير بوكثير




* المقامة الشّبابيّــــــــــــــــــــة
بقلم: البشير بوكثير / رأس الوادي
- إهداء :
إلى القلم الصّاعد، والمبدع الواعد: مصطفى زياتين ...
إلى الشّباب الملتزم بقضايا الأمّة ، أهدي هذه المقامة لعلّها تُزيل الغمّة، وترفع الهِمّة .
-وإلى كلّ المسؤولين ...أنقذوا الشّباب ، قبل حلول الخراب ...

حدثنا البشير الهذياني قال:
انتقلتُ إلى الجزائر العميقة ، وطُفتُ بأحيائها العتيقة، وهِمتُ بمآثرها العريقة، فوجدتُها ترْتعُ في الآفات، وترْضعُ من ثــدْيِ الحسَرات ، وتقنَعُ من الغنيمة بالآهات.
وبعد ترحال وكدّ وجهاد، نزلتُ بمقهى باب الواد، لأنّه يُذكّرني برأس الوادي...
ولمّا ارتخيتُ وما انتخيت، طلبتُ من النّادل كوب نعناع، يزيل الصّداع، ويعدل المزاج المتعكّر الملتاع .
بعد برهة قصيرة قصدَ طاولتي أحدُ الشّباب ، استأذن بالجلوس وفتح للحديث النّافذة َوالباب ،وأرسل في أذني هذا الخطاب ، وأنا أُصْغي وأتمَحْشَشُ بلذّة الشّراب :
"ياعمّي البشوش الفَحْشُوش ، ناوِلني هذا الطّربوش، وعِ كلامي ولاتجعله مثل عهنٍ منفوش.
قلتُ : شُبّيك لبيك، هاتِ ما لديك !
قال بحسرة :
لقد وَسَمونا بجيل "الأ.....يش" ، ونعتُونا بأخدان الزّطلة والحشيش ، وجعلونا نُغْرَم بالبابيش ، و نعيش عيشة َالحرافيش، ونحيا حياة الخفافيش...
قلتُ : وكيف تريد أن تعيش ؟
قال : أنا نحوّسْ نْعيشْ ، ونْربّي الرّيشْ، ونقطعْ البحر وما نْولّيش ...
قلتُ : تباًّ لها من من معيشة !
ردّ على الفور : شعاري في الحياة " شيشة ، وبابيشة ، وتحْلى المعيشة ...!
قلتُ وأنا مُغتاظ : ماهذه الألفاظ، التي لم نسمع بها في سُوق عكاظ؟
قال غاضبا: اسمعني ياعمّ، وخلاك ذمّ ...
قلتُ : لاتغضب : أكمل أسطوانة الغمّ والهمّ...
قال بحزم:
إنْ أردتَ أن تستزيد من قاموسنا العتيد، فلديّ المزيد المفيد ؟
ألفاظنا نحن الشباب ، لايفهمها الشِّيّاب، فهي تحتاج إلى مُترجم لمّاحٍ لهّاب...
قلتُ وأنا مرتاب: زدني من ألفاظ الرّعاع، قبل أن يبرد النّعناع .
قال: هكذا نشتيك، ياعمُّو راك "أنتيك"، من اليوم راك "شريك" ،بصّحْ مانحبّشْ تمارس عليّ التّسرديك.
قلت: أكمل ربّي يهديك .
قال: طبطب راهم فاقوا...ضُكْ نُخرُجْلك "طاي " طاي" ، وكي نتلقاو في "هاواي " ، نلعبوا "لبلاي"، ولاخْسرتْ نضربك بمطرق "فيراي"...
قلتُ : مادام وصلنا إلى مطرق "الفيراي" ، مابْقالي غير نقولك: "باي باي "...
قال: شبعتونا مقروط، ولعبتوا بينا كي الزّربوط...آه كنْ نلقاك يا "زيطوط"...
اتْوحّشنا البربوشة، ولبسنا الشّرْكة والمنقوشة،وزدْنا تْغنّينا بالبرهوشة...
قلتُ وقد اوْجَعْني قلبي واقْتلني الغمّ: أخشى أنْ تخرجوا علينا يوما بالهبهاب والمحشوشة !
استحِ فتجارتكم لدى الأمم كاسدة مغشوشة ، يامن تتشبّهون بالخنفوسة والبخوشة .
ضحك وقال: لقد بدأتَ تتعلّم أبجديات ألفباء البخّوشة ...
قلتُ: حدّثني عن هذا اللّباس...
التفتَ إلى الناس ، بعدما ركبه الوسواس الخنّاس ،وقال: سأحدثكم عن اللباس، فاسمعوا وعُوا يا ناس ،باه تعيشوا لاباس ...
لباسُنا "التّيشورت" و"البارميدا" ، وانْدبي احْناككْ يا "داليدا"...
نمشي في الدّيبارْدُور، ونتْعشّى بالبنتاكور، وأفخرُ بسروال "بني عريان" ،لأنه مُوضة هذا الزّمان.
قلتُ وأنا غضبان:
ياولدي لقد وضعَ أجدادُنا العِمامة ولبسوا "القندورة"،وتحزّمُوا بـ "السّانتورة"، لكي تبقى عوراتُهم دوما مستورة، أمّا اليوم " راهي الحالة مهرودة ومقعورة" كيما قال خويا " بوعتّورة"...
الله يلعن سروال "بني عريان"، لقد كشفتم العورات والسّيقان، حتى صار كلّ شيء ايْبـــانْ... مانكملش ياسي عثمان، راه لحق شهر رمضان ..
ثمّ أردفتُ بعدما أوشكتُ أن أبلع اللّسان : حدّثني عن الأسماء والألقاب ، فقد سمعتُ عنها العجبَ العُجاب ؟!
قال: اسمع يا الشّيخ البشير بعضَ الهِباب ...
من أسمائنا الجميلة : شلْفاطة والإيدودي ، وبوذيل والعَيْدودي ،وميدو وسِيفُو ، اسمحلي راني هبّطت النّيفو ...
وضعتُ يديّ على "فيه" وقلت: على رِسْلك تمهّلْ ولاتُكملْ ، واسمع الأسماء الجميلة، التي تغنّتْ بها في زماننا كلُّ قبيلة...
أين نحن ياولدي من من أسما ء صخر وصقر، ونِزار وضِرار، وعلقمة وعكرمة،وحنظلة ورعد، وقُصيّ ودعْد، ولميس وهند، وشاهين وقتادة، ممّنْ جاءتهم المفاخرُ مُنقادة ...؟!
قال متهكّما : هي أسماء قديمة ، ليس لها عندنا قيمة!
ثمّ قال وبئس ماقال:
نحن جيل مْجلجْل، بالجالْ مخلخَلْ ، وفي العزّ مدلّل ، ياخويا رايحْ نهْبل ...
نحن جيل الهشّك بشّك ، ماانْحل ما انفكّ، وما انْصُكّ ماانْحُك...
سلاحنا mp3 والديسك جوكي ، والفوتبول والهوكي، والتّبراح كل صباح: كي المرّوكي ..
أما عن التّسريحة والتّحفيفة ،فهي حقّا مثل القزَع مُخيفة، وهكذا قلْ عن الأغاني الخفيفة ، فجُلُّها -ياعمّ - هابطة وسخيفة ، من مطلعها تقولُ لي :راكْ وقِيلا اتْسالْنِي حْسيفَة ؟ :" وعلى جالك يا خليفة ناكُلْ الجيفة " !
و"قرْقرْ قرْقرْ يا خُويا لزهر"، و"تقلشي وزيدي تقلشي..."...راني رايحْ للمَرْشي ...
كلامنا المفيد :السَّطْلة والزّطلة، والغمز والغَزّْ، واسْكتْ يا بَزْ...!
قلتُ وأنا جريح:أرادوكم جيلا لايُحسن القول العربيّ الفصيح، ولا الثناء والمديح، ولا حتّى الكلام العذب المليح، مثل قيس بن الذّريح، بل جعلوكم جيلا يُجيد فنّ الشطيح والرّديح، مثل البلبل الذّبيح، الذّي يرقص مذبوحا من ألم الطّعن والتّجريح .
قال: في هذي.. كلامك صحيح ...
قلتُ: لقد فهمتَ المُراد، يا مُراد ... فالتلميح يُغني عن التّصريح .
ياوليدي ...
لقد شُغِلتم بالظّاهر الخدّاع، وأهملتُم الباطن اللّمّاع، فحجبـْـتُم عن الأمّة كلَّ شُعاع .
بعضُكم يرقص على أنغام "الرّاب" حتّى تهدّم و"راب"، ومنكم مَن أدمن "الرّايْ" فأصبح بلا "راي"، ومنكم مَن فُتِن بــ "شاكيرا" فضيّع الدّين كما ضيّع الأجدادُ مملكةَ "الحِيرة "...
هذا جيلكم ...جيل "الآيباد" و"الآيفون" ، بحضارة الغرب والزّطلة والأفيون مبهور ومفتون ، والجنون -كما تعلم- فنون ، والحديث معك ذو شجون...
لقد أخذتُم من الغرب القشور، وطرحْتُم ظِهرياّ سَنا النّور،ورتعتُمْ في المجون والخمور، فتعطّل "السّارفو" ومْعاه زادْ "الموتور " ، راه احْكمني الزّعاف وراسي بدأ يدور ...
ياولدي ...
لقد ضيّعتم شِيَمَ العرب الأقحاح، وغفلتم عن آي القرآن والحديث الصِّحاح، وشُغلتم بتلميع الأجساد بدل تهذيب الأرواح ،اسمعْ إلى قول الشّاعر والنّاس لمْلاح:
ياخادمَ الجسم كم تشقى بخدمتـــــــه * أتطلب الرّبح فيما فيه خُسران ؟
أقبلْ على النّفس واستكمل فضائلها * فأنتَ بالنّفس لابالجسم إنسان ..
يا ولدي الهُمام ...
من الشباب اليوم من لم يفهم الإسلام، فحملَ الحُسام، وأعلنها حربا على قومه الكرام، ومنهم مَن لم يقرأ فلسفة الإغريق،فكان مثل الغريق، يستجير من الغرَق بالحريق، ويتمضْمضُ بالشهيق ،ويبلع الرّيق،ويترك الوهَج والبريق، ليلِجَ جُحْرَ الضّبّ وينخدع بالمومياء المطلِيّة بالبرنيق .
ساعتئذٍ سمعتُ خارج المقهى بعض النّهيق " ياو فيق يا ابْريق...".
فأدركتُ بأنّنا قومٌ نُجيدُ النّعيق والنّهيق، وسيجرفُنا يوما الغرق ويَشْوِينا الحريق ،إنْ لم نعدْ إلى الطّريق ...
استعذبَ الشاب كلامي ثمّ أطرق ، وبنظراته الحزينة حدّق وأشفق ، وسأل:
ومن المسؤول عن هذا الواقع المرير، والشّرّ المستطير، ياعمّو بشير ؟
طأطأتُ رأسي وأنا أجيب ، وقد غلبني النّحيب :
كلّنا مسؤولون عن هذا الجُرم العظيم، والخَطب الجسيم، فالأسرة تخلّتْ عن التّربية والتّهذيب، والمدرسة عجزت عن العلاج والتّطبيب ، والحكومة غابتْ غيابَ الغريب عن الوطن الحبيب. فكيف ينصلح الحال وينطفىء هذا اللهيب..؟ ومَن يا تُرى يُوقِفُ سياسةَ التّغريب، ويكبح جماح الهدم والتّخريب؟
يا ولدي الحبيب ...
لقد جعلناهم يركبون قوارب الموت و"الحَرْقة"، فيتركون في القلوب الأسى والحُرْقة، وهذه مالطة ..ومدريد.. وحتى برقة ...تروي حكايات من قضَوْا غرقى ...!
ويا ويحَ كلّ مسؤولٍ أدمنَ السّرْقة ، وخطفَ البسمةَ وأوقفَ النّبضَ والخفْقة ، وأوهمنا بأنّنا لازلنا حمقى ...
حدّق الشابّ وقال:
أنتَ تعرف عن عالمنا الكثير ، أيها الكهل الكبير، والجهبذ النّحرير ، فهل تتوسّم في شبابنا الخير ؟
قلتُ: بل فيكم كلّ الخير ، ولولا ذلك مافتحتُ لك صدري أيّها الصّغير الكبير...
ثمّ تابع قائلا:
وكيف تتمثّلنا ؟ هل كما تمثّلَنا جدّك الكبير "محمد البشير " ...؟
قلـتُ: الآن وصلتَ إلى بيت القصيد، أيّها الفتى العنيد ...
سأحدّثك -توّا- بلغة صريحة فصيحة ، بعيدا عن الألفاظ السّخيفة القبيحة ...فاحفظْ عنّي ، ولاتُخيّبْ ظنّي ...
أتمثّل الشّبابَ الجزائريّ الأبيّ، ذا قلب نقيّ، وعقلٍ ذكيّ، وخُلُقٍ حَيِيّ، وأصلٍ زكيّ...
أتمثّلُه صانعا للحياة ، مثل الزّهر والنّبات، يسيرُ بعزم وثبات ، فتُورق بين قدميه رُبوع الفلاة، ولاغَرْو..فهو سليلُ الأماجد الأُباة ...
أتمثله ياصاح، الوردَ والأقاح، والشذى الفوّاح، وحاديَ الأرواح، إلى طريق النّجاح والفَلاح ...
أتمثله مثل قطر النّدى وبلّ الصّدى، وسهْما ندّخِرُه في نُحور العدى ...
أتمثله بانيَ أوطان، بالعلم والإيمان، لابالدّروشة والرّهبنة والبهتان ...
أتمثله فارس الفرسان يوم الطّعان، وحارس الضّاد والبيان، حين تتلاقح الأفكار على عُود الجنان ، محافظا على إرث "ابن باديس" و"الإبراهيميّ" و"شيْبان" ...
أتمثّلُه "سيبويهيا" و"جِنّيا" في النّحو والإعراب، و"رُشْدِيّا" في المنطق وفصل الخطاب، و"بطوطيا" يجوب الآفاق بفكره الخلاّب...
أتمثّله "فراهيديا" في العَروض" ، لاتُغريه القُروض، ولاتستهويه كثرة العُروض ...
أتمثله " خلدونيا" في الاجتماع، و"حيّانيّا" في المؤانسة والإمتاع،و"بُحتريا" في الوصف اللطيف، و"جريريا" في اللفظ الخفيف ، لااللفظ السّخيف ...
أتمثله " جُرجانيا" في البلاغة والبيان، و"سحبانيا" في الفصاحة والتّبيان...
أتمثله" قعقاعيا" في نصرة الإسلام، و"جربوعيا" في مدح خير الأنام ...
أتمثله "إبراهيميّا" في السّجع الجميل،و"باديسياّ" في الفكر الأصيل، لا"باريسيّا" في الفكر الدّخيل...
أتمثله " أدهمياّ" في الصّوامع، و"قطّزيّا" في المعامع ، و"سيوطيا" في همع الهوامع"،و"أصمعيّا" في تتبّع الأخبار وتدبيج الرّوائع...
قاطعني قائلا : لقد فهمتُ الرّسالة، وسأغيّر من هذه الحالة، وألبس لباس الأصالة ...
قلت وأنا فرحان: يا شباب الجزائر لاتَهُونوا...هكذا كونوا ...أولا تكونُوا ...
رأس الوادي يوم: 9 ماي 2013م

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق